أقصوصة : مدرسة الحياة
د.عمر فوزي نجاري
جاءني وقد بدت علامات الخجل والتردد على وجهه,كان شاباً ويبدو عليه أنّه جامعي , فهو يرتدي بنطالاً كحلياً , ويحمل في إحدى يديه مجموعة من الدفاتر والكتب !.
أشرت له بالجلوس , وبعد أن رحبت به سألته : ما الأمر ؟.
لم يطل تردده بل بادرني بقوله : أنا طالب في كلية الطب في السنة النهائية , وعما قليل سأتخرج وأصبح طبيباً , إلاّ أنّ سؤالاً في طب الأطفال مازال بالنسبة لي لغزاً محيّراً , ولم أجد له جواباً بعد , وقد قصدتك عساني أجد عنك الجواب الشافي فيرتاح فكري ويهدأ بالي !.
قلت له : إذا كنت قد ختمت الطب ولم يبق أمامك سوى هذا السؤال , فلا شك أنّك عبقري زمانك!.
أجابني وقد ازداد خجلاً : ليس هذا ما قصدت , ولكني أردت القول أنني قرأت عن طفل مضطهد , وطفل رخو , وطفل عليل , وطفل سليم , أمّا الطفل ( الممتول ) وطريقة علاجه فلم أجدها لا في الكتب ولا المجلات الطبية المتخصصة بطب الأطفال , لذلك لجأت إليك عساك توضح لي ما هو الطفل ( الممتول ) وكيف يعالج ؟.
أجبته مبتسما ً : أنا لا أشك في أنّك طالب نجيب إلاّ أنّ جواب سؤالك هذا لا يمكن أن تجده ما دمت لم تفارق برجك العاجي بعد !..
بدت على وجهه أمارات الدهشة والتعجب , وقال : لم أفهم قصدك يا حكيم ؟!.
قلت له : سأبسط لك الموضوع , كلنا يعلم أن الأديب الذي لا ينبع أدبه من واقع الحياة ويظل متربعاً في برجه العاجي لن يكون قادراً على التواصل والاستمرار , وسيبقى أدبه في بواطن الكتب وعلى رفوف المكتبات. وكذلك الطب , فما دمت تعيش بين الكتب والمجلات بعيداً عن واقع المرضى ومعاناتهم فإنك ستبقى عاجزاً عن التواصل مع المرضى غير قادر على وضع التشخيص السليم والعلاج الأمثل .
عندما تغادر برجك العاجي وتتخرج وتعركك الحياة الطبية العملية بحلوها ومرها فإنّك لن تسألني وقتها عن الطفل ( الممتول ) ولا عن المعالجة بالبيض الممزوج بالطحين , عندها فقط ستدرك أنّك دخلت مدرسة جديدة في الطب اسمها ( مدرسة الحياة ) !.